الاسلام وتكفيرالاخر / الجزء الثاني

الاسلام وتكفيرالاخرno secteriansim

 الجزء الثاني

 عمار الساعدي

 النشرة العراقية

الثلاثاء، 24 حزيران، 2014

 لندن

التكفير نشوءه وتطوره :

 لم يستمر الحال على هذا المنوال فى مايرتبط باسباغ عنوان الاسلام على الفرد المسلم  كما فى عصر النبى (ص) وجزءا من عصرالخلفاء الاربعة،

بل حدثت بعض المشاكل فى تاريخ المسلمين وتعقدت الظروف، وتنوعت المشاكل والمستحدثات، فكان أن برزت الى العيان اول ظاهرة للتكفير فى تاريخ الاسلام ايام خلافة الامام على بن ابى طالب، الخليفة الرابع، حين كفر من قبل الخوارج فى قضية التحكيم المعروفة،

ففى حربه ضد معاوية بن ابى سفيان كانت هنالك لحظة اوشك فيها ان ينتصر جيشه على جيش معاوية، ولكن عمرو بن العاص اخترع حيلة “رفع المصاحف” من اجل تضييع فرصة النصر للامام على، وقد خدع بعض من فى معسكر الامام على بهذه الخدعة فطالبوا الامام باللجوء الى تحكيم القرآن، ولكن الامام رفض بشدة، وبعد ذلك اضطر للنزول عن طلبهم فى ذلك.

ولايهمنا ماحدث فى مسألة التحكيم وكيف آلت الامور الى غير وجهها الصحيح ،

فان ماحصل هو أن هذه الجماعة قد كفرت حينئذ الامام على، وقاموا بعد ذلك بحربه وقتاله فى معركة النهروان الشهيرة,

فى هذه اللحظة التاريخية  بالذات اخترعت هذه الجماعة (التى اطلق عليها فيما بعد اسم الخوارج) معيارا جديدا فى اعتبار الفرد مسلما او كافرا،

وبدل ان يلتزموا بالمعيار الاسلامى الاول كما فى عهد النبى والخلفاء الاربعة، فانهم جعلوا من تكفير علي ضرورة لاعتبار الفرد مسلما !!, وكان هذا بحد ذاته تحولا وانحرافا عن المعيار النبوى فى هذه المسألة, هذا فضلا عن كون على بن ابى طالب هو قطب الايمان وعنوان الاسلام كما شهد له النبى كثيرا.

وقد قام الخوارج على أثر ذلك ببعض القتل والتخريب، فقد قتلوا مثلا الصحابى الجليل الخباب بن الارت ذبحا، وبقروا بطن امرأته الحامل وقتلوها ايضا على جنب نهر الفرات، حين طلبوا منه ان يتبرأ من على بن ابى طالب فلم يفعل ذلك.

وبوجه عام كان الخوارج البداية الاولى لظاهرة استمرت فى حياة المسلمين بمختلف مذاهبهم ونزعاتهم، وهى ظاهرة التكفير، التى تعنى اعتبار الانسان المسلم كافرا لعدم قوله بمقولة يلتزم بها اصحاب هذه الجماعة مثلا، وجرت انهر من الدماء اثر ذلك منذ ذلك الحين.

واتخذت ظاهرة التكفير هذه اشكالا اخرى، حين تحولت الى تكفير اصحاب المذاهب بعضهم لبعضهم الاخر، وهذا الامر وان لم يكن شائعا بين اصحاب المذاهب انفسهم، الا انه اخذ طريقه لدى البعض منها بقوة تارة او بضعف تارة اخرى.

فظاهرة التكفير للمخالف فى المذهب او العقيدة لها سببان رئيسيان,

اولهما الاختلافات المذهبية والعقائدية بين المذاهب التى جعلت بعض او كثير من اتباع مذهب يكفرون اتباع المذاهب الاخرى، لاعتبارهم اياهم غير مسلمين، فكان معظم الحنابلة يشددون النكير على الامام ابو حنيفة، ويطعنون فى دينه وبعضهم يكفره علنا وصراحة، وكذلك فعلوا مع المعتزلة فى قضية خلق القران او قدمه، بل امتد الامر الى تكفير على قضايا صغيرة وبسيطة جدا كقصد جزئية النية فى الصلاة مثلا (لاحظ مثلا بن تيمية فى كتابه مجموع الفتاوى).

وثانيهما سبب سياسى، فقد كانت السلطة آنذاك تعانى من متاعب الثورات المضادة كثورة  عبدالله بن الزبير على الحكم الاموى واعلانه الخلافة، وكثورة بن الاشعث على هذا الحكم ايضا، وثورة العلويين والخوارج المتعددة،

فلاجل الحد من قوة هذه الثورات كان تكفير زعمائها والمنضوين تحتها خير وسيلة لضربها ضربة قاصمة، وكذلك ضرب كل الحركات المعارضة التى تستهدف كرسى الحكم.

وكذلك لعبت السياسة دورا اخرا فى نمو ظاهرة التكفير، فالسلطة كانت بحاجة الى اختراع مفاهيم جديدة واعطائها ثوبا دينيا مقدسا وشرعيا بحيث ان نكرانه يجعل الفرد خارج الاسلام تماما، ويمكن ان نرى امثلة على ذلك قتل غيلان الدمشقى لقوله بالقدر  من قبل هشام بن عبدالملك، وكذلك تعذيب احمد بن حنبل على يد السلطة العباسية، واضطهاد المعتزلة على يد المتوكل حيث كانت نهاية امرهم وقوتهم على يديه.

فالعامل المذهبى والعامل السياسى هما سببان رئيسيان فى نمو ظاهرة التكفير وتطورها لدى الحكام او بعض الفرق، ويمكن القول ان هذين العاملين يهدفان الى احتكار الشرعية الدينية ومصادرة اسلام الاخرين، بشكل يجعل من الاسلام امتيازا لفئة او مذهب او سلطان دون اخرين, فاحتكار السلطة او احتكار الشرعية هو نمط اخر من انماط احتكار رأس مال رمزى يشكل رصيدا  معنويا للجماعة او للسلطة .

ان الطابع العام للتكفير فى مراحله المتأخرة هو تأسيس معايير الدخول فى الدين والخروج منه  قائمة على رؤى بعض علماء المذهب وليس على النصوص الدينية الاصلية لوحدها، فيكثر فى مثل هذه الرؤى التكفيرية ان ترى رجوعا الى قول الفقيه فلان، او المحدث فلان، وبدل ان تجعل من هذا اجتهادا قام به هذا الفقيه او ذاك، فان النزعة التكفيرية تجعل منه مرجعاً اصلياً فى تحديد حدود الدين,

وتتبع الامثلة التاريخية يكشف بوضوح هذه القضية، فان تكفير المذاهب بعضها لبعض قائم على الاغلب على الاحتكام لرؤى فقهاء او محدثين سلف باعتبارهم يمثلون كلمة الوحى بدل ان يكونوا مجتهدين ومفكرين حالهم كحال المجتهدين فى عصرنا هذا وفى كل عصر.

يضاف الى ذلك،

ان العصور الاولى نشبت فيها خصومات وخلافات شخصية واجتماعية لاعلاقة لها بالاجتهاد الدينى الفكرى نفسه، مما ادى الى تسرب الاهواء والميول النفسية فى الاحكام والنقولات والتفسيرات، واعطى فسحة اكبر للتنفيس عن هذه المواقف النفسية من خلال تكفير الاخرين الذين ليسوا على وفاق مع صاحب هذه النزعة, والامثلة كثيرة فى هذا المجال.

ولكن هنالك بعد اخر لهذه الظاهرة اى ظاهرة التكفير، وهو بعد يرتبط بقدر المساحة المسموح بها فى التفكير لدى المذهب او الجماعة،

فبقدر ماتزداد المساحة العقلية والذهنية تقل ظاهرة التكفير هذه، وكلما قلت ازدادت بحسبها، وان كانت هذه العلاقة ليست دائمة وثابتة بشكل تام، ولكنها مع هذا قد تصدق فى اغلب الاحيان.

 

Leave a comment